دور المجتمع المدني في تحقيق الأمن الإنساني
يعمل المجتمع المدني في منطقة وسطى بين أجهزة المجتمع؛ ومن هنا فإنه يقيم تشبيكًا عامًا في المجتمع، يسهل عملية الاتصال بالأفراد، ويجمعهم على أهداف مشتركة، وتوفير الفرصة لهم للمشاركة والتطوع والمبادأة. ومن ناحية أخرى فإن المجتمع المدني إذ يوجه نفسه تلقاء الدولة فإنه يقدم لها الدعم والمساندة، ويسهم في تطوير برامجها عبر النقد البناء والتعبير عن مطالب الأفراد وحاجاتهم. حقيقة أن المجتمع المدني فضاء مستقل يعمل بحرية، بعيدًا عن قيود الدولة وتعقيد البيروقراطية. أو كما يقول كلينجمان Klingman: أن المجتمع المدني يشكل” شبكة من الروابط المستقلة نسبيًا عن الدولة، تربط تجمع المواطنين حول القضايا العامة (ذات الاهتمام المشترك)؛ بحيث يمكن بتواجدهم وأفعالهم أن يؤثروا على السياسات العامة”(14). إنه بذلك يشكل شبكة من العلاقات التعاقدية التي تقع خارج حدود الدولة وبشكل مستقل عنها.
ولكن رغم هذه الاستقلالية، إلا أن المجتمع المدني لا يعمل قط بعيدًا عن الدولة خاصة في المجتمعات التي توصلت إلى اتفاق حول الأسس والمبادئ التي يدار بها المجتمع والتي تتأسس عليها الدولة . في هذا الظرف فإن المجتمع المدني يكون مكملاً للدولة مساندًا لها. هنا يتحول الصراع والمنافسة بين الدولة والمجتمع المدني ـ والذي عادة ما يوجد في المجتمعات غير المستقرة الباحثة عن طريق ـ يتحول إلى تعاون، في علاقة شراكة. إن منظمات المجتمع المدني الذي تتسم بأنها أكثر مرونة، وأكثر قدرة على المبادأة، وأكثر كفاءة من أجهزة الدولة ـ والتي تتسم بعدم المرونة، والممارسات العقيمة، والسلوك البيروقراطي الذي يستهدف دائمًا تحصيل الضرائب وتجميع العوائد للدولة. في هذا الظرف سوف تحقق السياسات الاجتماعية أقصى درجات كفاءتها إذا ما اعتمدت بشكل أكبر على شراكة المجتمع المدني(15).
وعلى هذه الخلفية يمكن القول بأنه إذا كانت الدولة جادة في سياستها لتحقيق الأمن الإنساني الشامل، عبر مفهومات واضحة للتنمية المستدامة، فإن المجتمع المدني يمكن أن يلعب دورًا هامًا وحساسًا في تحقيق ذلك. ويتدرج هذا الدور من الدعم والشراكة إلى المشاركة الفعلية في تحقيق الأمن البشري، مرورًا بصور أخرى من التعليم والتدريب ورفع مستويات الوعي بالحق في الأمن الإنساني. وفيما يلي ندرس بعضًا من الإشكاليات المحيطة بهذه الأدوار. ولكن تجدر الإشارة إلى أن هذه الأدوار تتم عبر مستويات عديدة، عبر المستوى المحلي من خلال المنظمات المدنية العاملة في القرى والأحياء الحضرية المختلفة؛ وعبر المستوى الوطني من خلال المنظمات المدنية العاملة على مستوى القطر كله، أو عبر قطاع عريض منه كالمنظمات المهنية أو العمالية، أو عبر حقول مختلفة كالمنظمات العاملة في مجال الفقر أو المرأة أو الطفولة أو غيرها من المجالات. وأخيرًا عبر المستوى الدولي من خلال المنظمات المدنية العاملة على تحقيق تشبيك مدني دولي في مجالات البيئة ومحاربة التسلح ومقاومة العولمة وغير ذلك من المجالات.
1ـ الدعم والشراكة:
يعد الدعم Support أحد الوظائف الأساسية للمنظمات المدنية. فطالما أن هناك اتفاقًا على الأسس التي يقوم عليها التعاقد الاجتماعي العام، فإن المجتمع المدني يتوقع أن يعرب عن استعداده للشراكة مع الحكومة ومؤسسات الدولة المختلفة في دعم السياسات العامة، وفي تنفيذ هذه السياسات وفقًا لقواعد النزاهة والشفافية والعدل.
ويحقق المجتمع المدني هذه الوظيفة في الدعم والشراكة بحكم استقلاليته، وقربه من الناس، والقدرة على التعرف على حاجاتهم بسهولة ويسر. وغالبًا ما يطلق على المنظمات المدنية وما تلعبه من دور في عملية الشراكة من أجل تنفيذ السياسات العامة وتحقيق التنمية المستدامة مصطلح “الفاعل المشارك من خارج الدولة” non – state actor وهو مفهوم يشير إلى كل التجمعات المنظمة المشاركة في عمليات التنمية من خارج المؤسسات الرسمية للدولة كالنقابات المهنية والجمعيات الأهلية والمبادرات المجتمعية المنظمة.
ولا تعني الشراكة بحال أن السلطة والقوة تتسرب من أيدي الدولة على نحو يفقد الدولة سيادتها. ففي أثناء انعقاد المؤتمر الدولي السنوي للتنمية في الهند عقدت حلقة نقاشية بعنوان ” القوة تتسرب من أيدي الدولة: إلى أين تذهب؟”. وكانت أهم الإجابات أنها تذهب إلى منظمات المجتمع المدني وشركاء آخرين في التنمية. ويرجع السبب في ذلك إلى أسباب عديدة أهمها نقص القدرة التمثيلية للديمقراطيات التقليدية، ونمو الهويات الجديدة كالهويات الإقليمية والمحلية والدينية والثقافية(16). ولكن ذلك لا يعني بحال أن الدولة تفقد كل سيادتها، فالدولة هي التي تمنح المجتمع المدني وجوده أصلاً. فهي التي تسن له التشريعات، وتضمن له الحماية والأمن، وتوفر له شروط المشاركة والشراكة، وتضع الأسس التي تحدد مسارات عمله وطبيعة أنشطته، وهي التي تتيح له فرصة الشراكة في صناعة السياسات العامة وتنفيذها. ومن هنا فإن الشراكة التي تنتج من جانب المجتمع المدني هي شراكة لا تتحقق إلا بوجود الدولة. فالحديث عن الاستقلالية التامة لمنظمات المجتمع المدني هو أمر صعب المنال. فالاستقلالية هي استقلالية نسبية، تتحقق في وجود الدولة وتحت لواءها. وتصبح الشراكة في أزهى أشكالها عندما تتوخى الدولة مسلكًا تنمويًا وتصبح دولة تنموية بحق تعمل من أجل تحقيق الصالح العام للأفراد والجماعات وتسير في عملها وفق أهداف محددة وخطط محددة.
2ـ لا مركزية التنمية: الحوكمة بالمشاركة:
تعد اللامركزية أحد الشروط الأساسية لنجاح عملية التنمية المستدامة، ومن ثم تحقيق الأمن الإنساني الشامل. فاللامركزية تتيح للأفراد المشاركة الفعالة في تحديد الحاجات، وصناعة القرارات التي تلبي هذه الحاجات. وكما يقال فإن اللامركزية هي النقطة الوسط بين النزعة المركزية المفرطة وبين الفوضى. ويعني ذلك أنها توفر الفرصة لتنظيم الحاجات على مستوى محلي، وإتاحة الفرصة لإدارة الموارد المحلية، وحوكمة السياسات التي تتجه نحو التنمية المحلية خاصة في المسائل التي تخص الأمن الإنساني كتخفيف حدة الفقر والحماية من الكوارث الطبيعية، وضمان حصول الأفراد على حقوقهم في مجال الصحة والتعليم والمرافق.
ويمكن أن يلعب المجتمع المدني دورًا كبيرًا في تحقيق لا مركزية سياسات الأمن الإنساني أو التنمية المستدامة. ويتحدث الباحثون هنا عن دور اللامركزية في تحقيق ما يسمى بالحكومة بالمشاركة Participatory Governance ، والتي تعني إتاحة الفرصة لكل الشركاء ( الحكومة والمجتمع المدني والمجالس المحلية المنتخبة والقطاع الخاص وأصحاب المصلحة من الجماعات الفقيرة أو المحرومة والجمهور العام وأصحاب التمويل) في تحديد أولويات التنمية، ووضع السياسات، وتوزيع الموارد، ووضع البرامج التي تستهدف التنفيذ. وفي هذا النوع من إدارة التنمية يضطلع المجتمع المدني بدورين رئيسيين(17):
الأول: التعاون مع الأجهزة الحكومية في تحديد الحاجات وإدارة الموارد وتوزيعها وفقًا لأوليات واضحة.
الثاني: مراقبة أداء الأجهزة المختلفة في تنفيذ الخطط .
ويتحقق للمجتمع المدني ذلك من خلال شبكة العلاقات التي يقيمها عبر خطوط أفقية ورأسية. أفقية مع الأجهزة المحلية المنتخبة وغير المنتخبة، ورأسيًا مع الحكومة المركزية والسلطات المانحة. وبهذه الطريقة يستطيع المجتمع المدني أن يكون لاعبًا رئيسيًا في عملية حوكمة التنمية.
3ـ بناء قواعد المعلومات:
يمكن القول بشكل عام أنه كلما حقق المجتمع خطوة نحو بناء مجتمع المعرفة، كلما حقق خطوة إلى الأمام في تحقيق الأمن البشري الشامل. ويعتبر بناء قواعد المعلومات، وإتاحتها لصانع السياسة ومتخذ القرار أحد الوسائل الهامة في بناء السياسات العامة وفي حوكمة تنفيذها. ويعتبر المجتمع المدني ـ الذي هو أقرب إلى الناس ومعرفة مشكلاتهم وهمومهم ـ أحد القنوات الهامة في إنشاء قواعد البيانات. وتشتمل قواعد البيانات على معلومات حول المجالات المتضمنة في قضية الأمن البشري مثل:
ـ أعداد السكان وتوزيعهم.
ـ أعداد الفقراء الذين يحتاجون إلى مظلة حماية.
ـ حالة التعليم بالنسبة للسكان بما في ذلك أعداد الأميين.
ـ حالات العجز الصحي والبدني والخدمات التي تقدم إليهم.
ـ مؤشرات عن نوعية حياة الأسر.
ـ بيانات عن المنظمات والهيئات التي تقدم خدمات أو مساعدات، ومظاهر التنسيق بين أنشطتها.
ـ مؤشرات عن المخاطر المحدقة بالبيئة في المنطقة.
وتدلنا أدبيات التنمية المستدامة على أن المؤشرات ونظم المعلومات تلعب دورًا أساسيًا في التنمية المستدامة. فالتنمية تتبلور حول سؤال هام: كيف يمكن أن نحقق حياة سعيدة وآمنة ومكتفية بذاتها لكل الناس؟ ويكتمل هذا السؤال بسؤال التنمية المستدامة: كيف يمكن أن نعيش ونتكيف مع قواعد وحدود البيئة البيوفيزيقية (دون المساس بها)؟ أي كيف نحافظ على البيئة والموارد داخلها إلى الأجيال القادمة؟. وتحتاج الإجابة عن أسئلة التنمية مؤشرات يمكن أن يطلق عليها مؤشرات الاستدامة Sustainability Indicators ، وهذه المؤشرات ضرورية لرسم سياسات متوازنة لتحقيق التنمية المستدامة(18). والمجتمع المدني هو الأقدر دائمًا على تجميع مؤشرات الاستدامة وإتاحتها على نحو منظم عبر قواعد البيانات. وتستهدف هذه المؤشرات حماية الناس وتحقيق أمنهم البشري، دون أن يتم استخدامها لأغراض أمنية تؤدي بها إلى تحقيق أهداف أخرى معاكسة لأهداف الأمن البشري. فالمعلومات سلاح ذو حدين، ويجب على من يحوز المعلومات أن يكون يقظًا في استخدامها وإتاحتها؛ بحيث لا تتاح إلا من أجل رفاهية البشر وأمنهم.
4ـ المتابعة والتقييم:
إن متابعة السياسات المتعلقة بالتنمية المستدامة والأمن الإنساني، وتقييمها على نحو دائم، هو أحد الضمانات الهامة لنجاحها وتحقيق أهدافها. وللحكومة وأجهزة الدولة المختلفة دور هام في هذه العملية، ولكنها أحد المهام الأساسية للمجتمع المدني. فعمليات المتابعة والتقييم ليست عمليات رأسية تأتي من اعلى إلى أسفل فقط، ولكنها أيضًا عمليات أفقية تسهم فيها المنظمات الأهلية بدور كبير. فمن ناحية نجد أن هذه المنظمات تنخرط انخراطًا فعليًا في الجهود الرامية إلى التنمية. وتستغرق هذه الجهود عمليات مستمرة ومتتابعة من التخطيط والتنفيذ والمتابعة. وفضلاً عن ذلك فإن المنظمات المدنية يمكن أن تلتزم على نحو أفضل بالمعايير التي يقوم عليها التقييم والمتابعة، وهي معايير المحاسبية والشفافية والمسئولية والانخراط النشط في حياة المجتمع.
إن عملية التنمية المستدامة تستغرق مراحل أربعة(19): تبدأ بتكامل الموارد المادية وغير المادية؛ ثم اختيار المشروعات التي لها قيمة مضافة في عملية التنمية المستدامة؛ ثم الشراكة في التنفيذ؛ ثم التقييم المستمر. ويبرز دور المجتمع المدني على نحو قوي في العمليتين الأخيرتين: في الشراكة وعمليات التقييم والمتابعة. ويمكن القول هنا أنه كلما ازداد انخراط المجتمع المدني في عمليات الشراكة والتقييم، كلما توطدت أواصر الثقة والتعاون بين الشركاء المختلفين في عملية التنمية، وبالتالي ضمان نجاح هذه العملية.
5 ـ التدريب والتعليم: الحق في الأمن الشامل:
إذا كان الأمن الإنساني هو تحرير الإنسان من الخوف وتحريره من العوز، والعمل على توفير فرص كريمة للعيش تجعل الإنسان آمنًا في حياته وفي بيئته؛ إذا كان الأمر كذلك فإن الأمن الإنساني يتحول إلى حق من حقوق الإنسان. ويلعب المجتمع المدني دورًا كبيرًا في التعريف بهذا الحق ورفع الوعي به. والحقيقة أن الحق في الأمن البشري هو حق مركب يشتمل على عدد من الحقوق المدنية والثقافية والاقتصادية والسياسية التي يؤدي تحقيقها إلى حماية الإنسان من المخاطر التي تهدد أمنه وسلامته. ويعمل المجتمع المدني على رفع الوعي بهذه الحقوق عبر جهود تتمثل في فاعليات عديدة منها:
أ ـ رفع الوعي بالثقافة المدنية: فالأمن البشري لا يتحقق إلا في إطار ثقافة العيش المشترك، التي تقوم على التسامح وقبول الآخر، والسلام، واحترام قوانين المجتمع وأعرافه وقيمه الأخلاقية.
ب ـ إدارة حل النزاعات المحلية والوقاية منها: وهي نزاعات يمكن أن تعطل التنمية المستدامة، وتهدد السلم الأهلي والأمن الاجتماعي وتشكل ـ في بعض المجتمعات ـ خطرًا على سلامة البيئة ولا يقتصر دور المجتمع المدني على المشاركة في حل النزاعات المحلية، بل يتجاوزه إلى رفع الوعي بالوقاية منها وتجنبها مما يعضد الأمن الاجتماعي ويقويه.
ج ـ حفز الأفراد على التطوع والمشاركة: وهي أدوار يتم تعلمها من خلال الممارسة العملية التي تقوم على تشجيع المبادرات الفردية وحفز الأفراد على المشاركة الفعالة والتطوع.
د ـ تأسيس منتديات للحوار والتدبر: من شأنها أن تعلم الأفراد القدرة على النقاش وحل المشكلات بالطرق السلمية، والقدرة على تدبر القضايا والمشكلات بشكل عقلاني، والتفاوض بشأن المسائل المتنازع عليها من أجل الصالح العام.
هـ ـ تعلم الممارسات الديمقراطية: فلا حوكمة رشيدة بغير ديمقراطية. والمجتمع المدني هو المكان الذي يتعلم فيه الأفراد الممارسات الديمقراطية من خلال أداء فعلي ومشاركة فعلية في إصدار القرارات وتنفيذها
- Teacher: Ali Bouhamed
خصائص الأمن الإنساني
يعتمد الأمن الإنساني على مجموعة من الخصائص وهنا نذكر عدداً منها:[٣] مفهوم شامل يشمل كلّ دول العالم بجميع إمكانيّاتها، نظراََ للتهديدات الخارجية المشتركة التي تؤثر على الأفراد في كل مكان كالإرهاب والمخدّرات، لذلك فإنّ أيّ تجاوز يؤثّر على أمن الناس يستوجب تدخلاً من كل الدول لإيقافه ومنع تكراره. يهتم بأمن النّاس والظروف المتعلقة بكل شخص لتحقيق العدالة الاجتماعيّة، فهو يبتعد عن الحلول العسكريّة لحلّ المشكلات ويُركز على الاهتمام بالأفراد والتنمية البشريّة. أهم شعار للأمن الإنساني هو الوقاية خير من العلاج، لذلك يتمّ الحرص على تجنب حصول المشكلات وحلّها قبل تفاقمها، بالتالي تجنّب حصول الصراعات بين الأفراد في المُجتمع الواحد.
أبعاد الأمن الإنساني
يعتمد مفهوم الأمن الإنساني على عدة مرتكزات ومن هذه المرتكزات
الأمن الاقتصادي: ويتضمّن أهميّة توافر دخل يتناسب مع احتياجات النّاس بما يؤمّن لهم سكناً ملائماً وحياة كريمة، وتأمين فرص عمل تتناسب مع الكفاءات، والحرص على تحقيق العدالة الاجتماعيّة بالتوزيع العادل للموارد والعوائد. الأمن الغذائي: أن تتوافر لدى جميع النّاس القدرة الشرائيّة اللازمة للحصول على الغذاء الأساسي في كل وقت. الأمن البيئي: حماية الإنسان من الأضرار البيئيّة التي تسببها الممارسات الخاطئة من قبل الإنسان نفسه أو من قبل الدولة، والمُحافظة على الموارد البيئيّة. الأمن الصحي: أن تتوافر الرّعاية الصحيّة المناسبة الضروريّة والأساسيّة لجميع الأفراد، واتخاذ إجراءات وقائيّة للحد من انتشار الأمراض. الأمن الشخصي: حماية الإنسان من كل التهديدات التي قد تُعرّضه للإيذاء الجسدي أو النفسي من الخارج أو من الدولة أو من الأفراد داخلها. الأمن المجتمعي: شعور الفرد بالانتماء للمجتمع، وذلك بالحرص على تأمين سلامة العلاقات الاجتماعيّة والحماية من التعصب القومي أو الديني أو العرقي. الأمن السياسي: احترام حقّ الإنسان في التعبير عن رأيه وحمايته من القمع الذي قد يواجهه.
- Teacher: Ali Bouhamed
خصائص الأمن الإنساني
يعتمد الأمن الإنساني على مجموعة من الخصائص وهنا نذكر عدداً منها:[٣] مفهوم شامل يشمل كلّ دول العالم بجميع إمكانيّاتها، نظراََ للتهديدات الخارجية المشتركة التي تؤثر على الأفراد في كل مكان كالإرهاب والمخدّرات، لذلك فإنّ أيّ تجاوز يؤثّر على أمن الناس يستوجب تدخلاً من كل الدول لإيقافه ومنع تكراره. يهتم بأمن النّاس والظروف المتعلقة بكل شخص لتحقيق العدالة الاجتماعيّة، فهو يبتعد عن الحلول العسكريّة لحلّ المشكلات ويُركز على الاهتمام بالأفراد والتنمية البشريّة. أهم شعار للأمن الإنساني هو الوقاية خير من العلاج، لذلك يتمّ الحرص على تجنب حصول المشكلات وحلّها قبل تفاقمها، بالتالي تجنّب حصول الصراعات بين الأفراد في المُجتمع الواحد.
أبعاد الأمن الإنساني
يعتمد مفهوم الأمن الإنساني على عدة مرتكزات ومن هذه المرتكزات
الأمن الاقتصادي: ويتضمّن أهميّة توافر دخل يتناسب مع احتياجات النّاس بما يؤمّن لهم سكناً ملائماً وحياة كريمة، وتأمين فرص عمل تتناسب مع الكفاءات، والحرص على تحقيق العدالة الاجتماعيّة بالتوزيع العادل للموارد والعوائد. الأمن الغذائي: أن تتوافر لدى جميع النّاس القدرة الشرائيّة اللازمة للحصول على الغذاء الأساسي في كل وقت. الأمن البيئي: حماية الإنسان من الأضرار البيئيّة التي تسببها الممارسات الخاطئة من قبل الإنسان نفسه أو من قبل الدولة، والمُحافظة على الموارد البيئيّة. الأمن الصحي: أن تتوافر الرّعاية الصحيّة المناسبة الضروريّة والأساسيّة لجميع الأفراد، واتخاذ إجراءات وقائيّة للحد من انتشار الأمراض. الأمن الشخصي: حماية الإنسان من كل التهديدات التي قد تُعرّضه للإيذاء الجسدي أو النفسي من الخارج أو من الدولة أو من الأفراد داخلها. الأمن المجتمعي: شعور الفرد بالانتماء للمجتمع، وذلك بالحرص على تأمين سلامة العلاقات الاجتماعيّة والحماية من التعصب القومي أو الديني أو العرقي. الأمن السياسي: احترام حقّ الإنسان في التعبير عن رأيه وحمايته من القمع الذي قد يواجهه.
- Teacher: Ali Bouhamed
يشهد المجتمع الدولي منذ نهاية الحرب الباردة ظهور مجموعة جديدة من المفاهيم المغايرة للمنظومة المفاهيمية التي ظلت لفترة طويلة حاكمة لمسار العلاقات الدولية ومن بينها مفاهيم مثل العولمة، والتدخل الدولي الإنساني، وإجراءات بناء الثقة، والحرب الاستباقية، والأمن الإنساني وغيرها من المفاهيم و التي أصبحت أحد الأدوات الدبلوماسية غير التقليدية لإدارة العلاقات الدولية، فعادة ما تكون هناك قوى دولية تدفع بالمفاهيم الجديدة بما يحقق مصالحها الذاتية. ورغم أن هذه المفاهيم ليست جديدة، إذ إن هناك جذور لهذه المفاهيم منذ فترات سابقة، إلا إن الجديد هو السياق التاريخي والتحولات العالمية التى أفرزت هذه المفاهيم فى سياقها.
هذا، ويُشكل مفهوم الأمن الإنساني أحد تلك المفاهيم، فقد طُرح المفهوم من خلال تقرير التنمية البشرية لعام 1994، ثم أخذت بعض الدول في تبنى المفهوم كأحد أدوات سياستها الخارجية ومن بينها اليابان وكندا، وفى عام 2004 طرح الاتحاد الأوروبي للإستراتيجية الأوروبية لتحقيق الأمن الإنساني. وبوجه عام، يتخذ مفهوم الأمن الإنساني من الفرد وحدته الأساسية في التحليل انطلاقاً من أن أمن الدول رغم أهميته لم يعد ضامناً أو كفيلاً بتحقيق أمن الأفراد، والأكثر من ذلك إنه في أحيان كثيرة تفقد الدولة الشرعية فتتحول ضد أمن مواطنيها. ومن هذا المنطلق، جاء بروز مفهوم الأمن الإنساني فى محاولة لإدماج البعد الفردي ضمن دراسات الأمن، وذلك من خلال التركيز على تحقيق أمن الأفراد داخل وعبر الحدود بدلاً من التركيز على أمن الحدود ذاته، وهو ما جاء انعكاساً لمجموعة كبيرة من التحولات التي شهدتها البيئة الدولية فى فترة ما بعد الحرب الباردة و التي كشفت عن مدى خطورة مصادر تهديد أمن الأفراد وعدم ملائمة الاقتراب التقليدي للأمن لتحديد السبل الكفيلة بتحقيق الأمن الإنساني.
وعلى هذا الأساس، يمكننا تعريف مفهوم الأمن الإنساني على إنه "مفهوم الأمن الإنساني جوهره الفرد، إذ يُعنا بالتخلص من كافة ما يهدد أمن الأفراد السياسي و الاقتصادي و الاجتماعي من خلال التركيز على الإصلاح المؤسسي وذلك بإصلاح المؤسسات الأمنية القائمة، وإنشاء مؤسسات أمنية جديدة على المستويات المحلية والإقليمية والعالمية مع البحث عن سبل تنفيذ ما هو قائم من تعهدات دولية تهدف إلى تحقيق أمن الأفراد، وهو ما لا يمكن تحقيقه بمعزل عن أمن الدول".
وعلى هذا الأساس، يتضح أن جوهر مفهوم الأمن الإنساني هو الإصلاح المؤسسي وهو ما يُشكل الفرق الجوهري بينه وبين مفهوم حقوق الإنسان، فرغم أن البعض قد يتصور أن كليهما يعنى الشئ ذاته ممثلاً في ضرورة توافر حد أدنى من الحقوق السياسية والاقتصادية والاجتماعية للأفراد كافة بصرف النظر عن النوع، أو الدين، أو الجنس. بيد أنه في واقع الأمر، توجد مجموعة من التباينات بين المفهومين، فإذا كان مفهوم حقوق الإنسان يرتكز بالأساس على تحديد مجموعة واسعة من الحقوق السياسية والاقتصادية والاجتماعية اللازم توافرها للأفراد، فإننا في المقابل نجد مفهوم الأمن الإنساني يمكن أن يسهم في خلق ترتيب أو وضع أولويات لتلك المجموعة واسعة النطاق من الحقوق الإنسانية من خلال إعلائه من شأن بعض الحقوق وذلك وفقاً لأجندات وحالات متباينة، ففي حالات الدول التي تُعانى من النزاعات المسلحة تصبح الأولوية في تلك الحالة للتركيز على البعد السياسي لمفهوم الأمن الإنساني من خلال العمل على حماية الأفراد من آثار تلك الحروب والنزاعات، بينما في حالات الدول التي تُعانى من أزمات اقتصادية تصبح الأولوية لتحقيق الأمن الاقتصادي للأفراد.
من ناحية ثانية، يمكن النظر إلى مفهوم الأمن الإنساني على كونه يخطو خطوة أبعد من مفهوم حقوق الإنسان وذلك فيما يتعلق بكون مفهوم حقوق الإنسان –في أغلب الأحيان- يأخذ شكل المطالبات القانونية ممثلة في ضرورة توافر تشريعات قانونية كفيلة بوضع التزامات محددة تجاه حقوق بعينها كاتفاقيات حقوق الطفل أو المرأة أو اللاجئين وغيرها من الاتفاقيات القانونية سواء أخذت الطابع العالمي أو الإقليمي. إلا أننا نجد مفهوم الأمن الإنساني يخطو خطوة أبعد نحو التركيز على الإصلاح المؤسسي. فمفهوم الأمن الإنساني يركز على كيفية إصلاح المؤسسات القائمة والمعنية بتحقيق أمن الأفراد أو إنشاء مؤسسات جديدة كفيلة بهذا الأمر. وربما ترجع أهمية هذا التطور نحو الإصلاح المؤسسي إلى ما أُثبت من عدم فاعلية القواعد القانونية وحدها لضمان احترام حقوق الأفراد، فوجود القاعدة القانونية أصبح لا يعنى بالضرورة الالتزام بتنفيذها، إضافة إلى الطبيعة المعقدة لمشاكل الأمن الإنساني في الوقت الحالي و التي أصبحت تتطلب أطراً أكثر ملائمة، وهنا تبرز أهمية الإصلاح المؤسسي، إذ يتجاوز مفهوم الأمن الإنساني التركيز على وضع مجموعة جديدة من القواعد القانونية الكفيلة بالتعامل مع مصادر تهديد الأمن الإنساني إلى التركيز على سبل تنفيذ الالتزامات المنصوص عليها، وهو ما يتبدى بالأساس فيما أصبح مشاهداً من وجود ميل من الدول للتركيز على الاعتبارات السياسية واعتبارات الرشاد دون الاعتبارات الإنسانية وهو ما تجسد في وجود انفصال بين ما يوجد من اتفاقيات وقواعد قانونية تُشكل القانون الدولي الإنساني وبين مدى تنفيذ الدول لتعهداتها المنصوص عليها، بحيث أصبح وجود القاعدة القانونية لا يعنى بالضرورة الالتزام بها، وهو ما يرجع بالأساس إلى رغبة الدول الكبرى فى إيجاد الآليات الملائمة و التي من شأنها تحقيق مصالحها الخاصة، فنجد الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والصادر عام 1948 ينص على أن حقوق الإنسان أصبحت مسئولية عالمية من خلال التأكيد على عالمية الحقوق وتمحورها حول المساواة بين جميع الأفراد، والاعتراف بأن إعمال حقوق الإنسان هدف جماعي للإنسانية، وتحديد مجموعة من الحقوق المدنية، والسياسية، والاجتماعية لجميع الأفراد، وإيجاد نظام دولي لتعزيز إعمال حقوق الإنسان، وإرساء مبدأ خضوع الدولة للمساءلة بشأن التزاماتها الدولية فيما يتعلق بحقوق الإنسان بموجب القانون الدولي. كما تلا صدور الإعلان العالمي لحقوق الإنسان التوصل إلى مجموعة مهمة من الاتفاقيات الدولية وإنشاء بعض اللجان المعنية بمناقشة قضايا حقوق الإنسان منها إنشاء لجنة الأمم المتحدة لحقوق الإنسان وذلك عام 1946، وفى عام 1948 تم التوصل إلى اتفاقية منع والمعاقبة على جريمة الإبادة الجماعية، وفى عام 1951 تم التوصل إلى اتفاقية الأمم المتحدة لشئون اللاجئين، ثم الاتفاقية الدولية المتعلقة بالأشخاص عديمى الجنسية وذلك فى عام 1954، وفى عام 1957 تم التوصل إلى الاتفاقية الدولية للقضاء على العمل بالسخرة، وفى عام 1965 تم التوصل إلى الاتفاقية الدولية للقضاء على أشكال التمييز العنصرى كافة، وفى العام التالى صدرت عن الأمم المتحدة كل من الاتفاقية الدولية للحقوق المدنية والسياسية، والاتفاقية الدولية للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية. وفى عام 1967 صدر بروتوكول عام 1967 المكمل لاتفاقية الأمم المتحدة لشئون اللاجئين لعام 1951، وفى عام 1973 تم التوصل لاتفاقية الأمم المتحدة لقمع جريمة الفصل العنصرى والمعاقبة عليها ثم اتفاقية الأمم المتحدة للقضاء على أشكال التمييز كافة ضد المرأة وذلك فى عام 1979، وفى عام 1984 صدرت عن الأمم المتحدة اتفاقية مناهضة التمييز وغيره من أنواع المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللإنسانية، وفى العام التالى تم إنشاء لجنة الأمم المتحدة للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية. وفى عام 1989 صدر عن الأمم المتحدة اتفاقية حقوق الطفل، كما تم تعيين أول مفوض سامى للأمم المتحدة لحقوق الإنسان فى عام 1993، وفى عام 1999 تم التوصل إلى اتفاقية أسوأ أشكال عمل الأطفال.
وتُشكل تلك الاتفاقيات الدولية "القانون الدولي لحقوق الإنسان" International Human Rights Law ، إذ تضع مجموعة من الضوابط والنصوص المتعلقة بالتزامات الدول الموقعة عليها تجاه الأفراد. إذ نجد اتفاقية الأمم المتحدة لشئون اللاجئين لعام 1951 تنص فى المادة 32 على منع قيام أيّ من الدول الموقعة على الاتفاقية بطرد أي لاجئ أو طالب لجوء موجود على أراضيها إلا لأسباب تتعلق بالأمن القومى أو النظام العام " وإن حدث ما يخل بالأمن القومى أو النظام العام تنص الاتفاقية على ضرورة "منح الدولة المضيفة للاجئ أو طالب اللجوء فترة ملائمة حتى يتسنى له طلب اللجوء فى دولة ثالثة"1.
كما تُحدد الاتفاقية الدولية للحقوق المدنية والسياسية حقوق الأفراد كافة والتى تلزم الدول الموقعة على الاتفاقية باحترامها ومنها "الحق فى الإقامة، والتنقل، والتملك، وكذلك بعض الحقوق السياسية للأفراد ومنها الحق فى التعبير عن الرأى، وتنظيم والانضمام للأحزاب السياسية، وكذلك طلب اللجوء فى دولة أخرى". وتنص المادة الخامسة من الاتفاقية الدولية لاستبعاد أشكال التمييز العنصرى كافة على "ضمان حق كل شخص دون أى تمييز بسبب العرق أو اللون أو الجماعة الاثنية فى المساواة أمام القانون وخاصة التمتع بالحق فى مغادرة أى دولة والعودة إليها".
وبذلك يتضح وجود التزامات قانونية على الدول نحو احترام حقوق الأفراد وذلك وفقاً لما وقعت عليه طواعية من اتفاقيات دولية تتعلق باحترام حقوق الأفراد، إلا أن ما أصبح مشاهداً هو وجود اتجاه متنامي من الدول المختلفة لعدم تنفيذ كامل التزاماتها المنصوص عليها في سياق تلك القواعد القانونية. فعلى سبيل المثال اتجهت الدول كافة في الوقت الحالي إلى وضع مجموعة كبيرة من القيود على الحريات المدنية لمواطنيها إذ أصبحت الاتصالات الشخصية تخضع للمراقبة من قبل أجهزة الدولة، وكذلك أصبح هناك قيود على التجمعات. ويتبدى هذا الأمر بشكل أوضح فى قضايا اللاجئين و طالبي اللجوء، إذ نجد هناك ميلاً لتغليب الاعتبارات السياسية على الاعتبارات الإنسانية في التعامل مع اللاجئين، إذ أصبح استقبال الدول لطالبي اللجوء على أراضيها محكوماً فى غالبية الأحيان بما يمكن أن يحققه لها هذا الأمر من مصالح مع دولة الأصل بالنسبة لطالب اللجوء. وعادة ما تلجأ الدول فى هذا الصدد إلى بعض الاستراتيجيات منها طرد أو رفض استقبال طالبى اللجوء وإعادتهم مرة أخرى إلى دولة الأصل، وذلك رغم أن مبدأ حظر رد أو طرد أى لاجئ أو طالب لجوء يُعد أحد القواعد الدولية الأساسية فى القانون الدولى الإنسانى. وهناك أمثلة كثيرة لرد الدول لطالبى اللجوء مرة أخرى إلى دولة الأصل، ومن ذلك موقف الدول المجاورة لأفغانستان من استقبال طالبى اللجوء الأفغان خاصة بعد أحداث الحادى عشر من سبتمبر عام 2001، إذ أعلنت الدول المجاورة لأفغانستان إغلاق حدودها أمام طالبي اللجوء الأفغان معلنة عدم قدرتها على استيعاب أى تدفق جديد لطالبى اللجوء الأفغان متجاهلة الاعتبارات الإنسانية والالتزامات الدولية فى هذا الصدد. ويتبدى هذا الأمر أيضاً فى موقف الصين من استقبال طالبى اللجوء من كوريا الشمالية إذ يتمثل موقف الحكومة الصينية فى هذا الصدد فى رفض دخول طالبى اللجوء الكوريين الشماليين، إذ عمدّت الصين إلى تشديد الإجراءات على الحدود رغبة منها فى الحفاظ على العلاقات مع جارتها كوريا الشمالية مستندة فى ذلك إلى معاهدة تُعلن أنها وقعتها سراً مع بيونج يانج فى هذا الصدد، بحيث ترفض الصين توفير الحماية لطالبى اللجوء من كوريا الشمالية ومن يقبض عليه وهو يعبر الحدود يُعاد مرة أخرى إلى بلاده. ووفقاً للقانون الكورى الشمالى يخضع هؤلاء العائدون للعقوبة، فوفقاً للقانون الكورى الشمالى فإن هذا يُعد جريمة كبرى ويخضع طالبو اللجوء العائدون لعقوبة تتمثل فى التعذيب أو العمل الجبرى وقد تصل إلى الإعدام2.
بالإضافة إلى ما سبق تلجأ الدول لاستراتيجيات أخرى منها المساهمة فى تقديم منح أو مساعدات مالية للاجئين و طالبى اللجوء فى مقابل عدم استقبالهم على أراضيها، ويُعد موقف اليابان من الأمثلة التى يمكن الإشارة إليها فى هذا الصدد إذ يقتصر دورها فى المساهمة فى حل مشكلات اللاجئين من خلال تقديم المساعدات المالية. وفى حالات أخرى تتبنى بعض الدول مفهوم دولة ثالثة آمنة Third Safe State إذ لا تقوم بطرد هؤلاء القادمين من طالبى اللجوء، لكنها تقبل استقبالهم مؤقتاً حتى يتسنى لهم تدبير أمورهم والانتقال إلى دولة ثالثة، وتسمح لهم خلال تواجدهم بالاتصال بدولة ثالثة تمهيدا للانتقال إليها.
ومن هذا المنطلق، فإن بروز مفهوم الأمن الإنساني فى مجال الدراسات الأكاديمية فى فترة ما بعد الحرب الباردة جاء لتجاوز التركيز على الأطر القانونية كأساس للتعامل مع مشكلات غياب أمن الأفراد للتركيز على الإصلاح المؤسسي. ففي ظل وجود مجموعة كبيرة من الأطر القانونية لتنظيم والتعامل مع كافة أبعاد قضايا حقوق الأفراد والتزامات الدول تجاه الأفراد، ومع وجود ميل من الدول للتركيز على الاعتبارات السياسية دون الإنسانية، فإن التعامل الأنسب مع حالات غياب الأمن الإنساني يكمن في (الإصلاح المؤسسي من خلال إصلاح المؤسسات التقليدية المعنية بتحقيق الأمن لتصبح مهيأة للتعامل مع مشكلات ومصادر تهديد أمن الأفراد، وإنشاء مؤسسات جديدة كفيلة بهذا الأمر، وكذلك البحث في آليات تنفيذ ما هو منصوص عليه من التزامات قانونية متعلقة بحقوق الأفراد الأساسية، وهذا هو جوهر مفهوم الأمن الإنساني.)
وفى واقع الأمر إن بروز مفهوم لم يأت كنتيجة إلى ميل الدول إلى عدم الاكتراث بالأطر القانونية فحسب، بل إن بروز المفهوم جاء أيضا كنتيجة لبعض التحولات التي شهدها المجتمع الدولي في فترة ما بعد الحرب الباردة و التي كشفت عن عمق وخطورة مصادر تهديد أمن الأفراد، وكان من أبرز تلك التطورات التغير فى طبيعة الصراعات، إذ صاحب نهاية الحرب الباردة تغير فى طبيعة الصراعات التى يشهدها العالم، إذ أصبحت الصراعات تدور بين الأفراد داخل حدود الدولة القومية وليس بين الدول. فتشير الإحصاءات إلى أنه خلال الفترة من عام 1990 وحتى عام 2001 شهد العالم سبعة وخمسين صراعاً رئيساً داخل 45 دولة في مختلف أنحاء العالم، كانت حكومة الدولة أحد أطراف الصراع. دارت النسبة الأكبر من تلك الصراعات خلال الفترة من عام 1990 وحتى عام 1993 كان أكثرها فى عام 1992 حيث بلغ عدد الصراعات الداخلية التى شهدها العالم 55 صراعاً، والنسبة الأقل منها كان ما بين عامى 1996-1998، ففى عام 1998 بلغ عدد الصراعات الداخلية التى شهدها العالم 36 صراعاً، وفى عام 2001 كان هناك 24 صراعاً داخلياً نصفهم مستمر بحد أدنى ثمان سنوات. ومن بين العشرين دولة الأقل فى دليل التنمية البشرية لعام 2002 توجد 16 دولة منها تعانى من صراعات داخلية3. فالسمة الأساسية للصراعات هى أنها أصبحت تدور داخل حدود الدولة القومية والنسبة الأكبر من ضحايا تلك الصراعات من المدنيين وليسوا عسكريين، خاصة أنه فى بعض الأحيان تكون السيطرة على المدنيين أحد أهداف الجماعات المتصارعة.
وتتسم تلك الأنماط من الصراعات بالانتهاك الشديد لحقوق الأفراد، إذ يُقدر أنه خلال عقد التسعينيات من القرن العشرين لقي 5 مليون شخص حتفهم من جراء الصراعات الداخلية كما يترتب عليها واحدة من أخطر مشاكل الأمن البشرى وهى مشاكل اللاجئين، إذ بلغ عدد لاجئ وطالبى اللجوء فى العالم وفقاً لإحصاءات عام 2004 حوالى 11.5 مليون لاجئ وطالب لجوء من بينهم 7.77 مليون لاجئ وطالب لجوء منذ ما يزيد على خمس سنوات. وخلال عام 2004 وحده كان هناك 1.01 مليون لاجئ وطالب لجوء جديد، بالإضافة إلى ما يزيد على 21.3 مليون نازح داخلى. وفى عام 2004 كان هناك 3.16 مليون نازح داخلى جديد4. وتُعد مشكلات اللاجئين واحدة من أخطر مشاكل الأمن الإنساني في القرن الحادي والعشرين نظراً لما تفرضه من مخاطر شديدة على أطراف العلاقة كافة.
وعلى هذا الأساس، شكل التغير فى طبيعة الصراعات فى فترة ما بعد الحرب الباردة عاملاً رئيسياً فى تأكيد (فشل المنظور التقليدي للأمن) فى التعامل مع طبيعة مصادر تهديد أمن الأفراد فى فترة ما بعد الحرب الباردة. فإذا كان مفهوم الأمن القومي يرتكز على أن أمن الدولة يّجب أمن الفرد ويحتويه، ومادامت الدولة آمنة فالأفراد بالضرورة آمنون، إلا أن هذا المنظور الأمني لم يعد ملائماً فى الوقت الحالي، فقد تكون الدولة آمنة -وفقاً للمفهوم التقليدي للأمن- فى وقت يتناقص فيه أمن مواطنيها، كما أن الدول أصبحت فى أحيان عدة مصدراً لتهديد أمن مواطنيها، وهو ما دفع بعض الباحثين للدعوة لطرح مفهوم للأمن بديلاً لمفهوم الأمن الواقعي ممثلاً فى مفهوم الأمن الإنساني ليرتكز بالأساس على تحقيق أمن الأفراد.
يضاف لما سبق أن العولمة شكلت أحد العوامل المهمة والمؤثرة فى هذا الصدد إذ دفعت ما وجهته العولمة من تحديات للأمن الإنساني عدداً من الباحثين إلى الربط بين تحديات العولمة من ناحية، وبروز مفهوم الأمن الإنسانى الذى جاء كرد فعل ونتيجة لهذه التحديات وللبحث عن سبل مواجهتها وذلك من ناحية أخرى. وبوجه عام، فرغم ما تقدمه العولمة من فرص للتقدم البشرى فى مجالات عدة ممثلة فى سرعة انتقال المعرفة، وفتح الحدود، إلا أنها فى المقابل تفرض تحديات خطيرة على الأمن البشرى خاصة فى الدول النامية. إذ اعتمدت العولمة كظاهرة على خدمة مصالح الدول المتقدمة على حساب الدول النامية بحيث أصبحت تستخدم كأداة للتفاوض بين الدول المتقدمة والدول النامية لفرض ضغوط على الأخيرة فيما يتعلق بفتح أسواقها وبما يحقق مصالح الأولى، بحيث أصبحت فوائد العولمة تسير فى اتجاه واحد ولصالح الدول المتقدمة التى وضعت تلك القواعد. فعلى سبيل المثال، نجد أن التحرير التجارى وفقاً للاتفاقيات الدولية الخاصة بالزراعة، والتى هدفت بالأساس إلى تحقيق الأمن الغذائى، أسهم فى خلق مشكلة أمن غذائى خاصة فى الدول النامية وهو ما يتبدى بالأساس فى السماح للدول المتقدمة ولسياستها الحمائية على سلع بعينها بتوجيه أضرار بالغة لصغار المنتجين فى الدول النامية.
من ناحية ثانية، نجد أن هناك غياباً لنقاط الالتقاء بين القواعد التجارية وقوانين الاستثمار محلياً ودولياً من ناحية، وبين القانون الدولى لحقوق الإنسان من ناحية أخرى. إذ نجد أن القوانين التجارية أو قوانين الاستثمار لا تنص على ضرورة الربط بين الجوانب الاقتصادية من ناحية والجوانب الإنسانية أو مراعاة الأبعاد الإنسانية للقرارات الاقتصادية من ناحية أخرى. فعلى سبيل المثال فإن الاتفاقيات الدولية الخاصة بالاستثمارات المشتركة سواء كانت اتفاقيات ثنائية أو متعددة الأطراف تسهم، فى غالبيتها، فى وضع أنظمة حماية قوية للمستثمر الأجنبى فى الدولة المضيفة، وهو الأمر الذى من شأنه وضع قيود على الدولة المضيفة فيما يتعلق بالمواءمة بين الالتزامات المنصوص عليها من ناحية، وبين حماية حقوق مواطنيها والتأكد من أن تلك الالتزامات لا تسبب أضراراً للمواطنين وذلك من ناحية أخرى5. ورغم أن البعض أرجع هذا الأمر6 إلى أن كلا من القانون التجارى الدولى والقانون الدولى الإنسانى وضعا بانفصال عن بعضهما البعض ووفقاً لمسارات مختلفة، إلا أن هذا الأمر يجب أن يُفسر فى سياق العلاقة بين الدول المتقدمة والدول النامية وهو ما يتبدى فى رغبة الأولى فى السيطرة على الدول النامية وتوجيه أنشطتها بما يحقق مصالحها.
من ناحية ثالثة، هناك بعض الدراسات التى تربط بين أنشطة المنظمات والشركات متعددة الجنسيات وانتهاكات حقوق الأفراد فى الدول التى تعمل فيها، ولا يقصد بانتهاك حقوق الأفراد فى هذا الصدد انتهاك الحقوق السياسية للأفراد ممثلة فى الحق فى التعبير عن الرأى والحق فى التجمع، لكنه يبرز بالأساس فى المجال الاقتصادى وهو ما يتبدى فى محاولة تلك المنظمات والشركات ممارسة تأثير على اتجاه تطور القوانين الاقتصادية المحلية بما يخدم مصالحها بالأساس. وتبرز خطورة هذا البعد فى أمرين يتمثل أولهما فى عدم وجود آليات لمحاسبة تلك المنظمات والشركات على ما تقوم به من أنشطة من شأنها إلحاق ضرر بالأفراد، أما الأمر الثاني فيتبدى فى أن القانون الدولي العام وقوانين الاستثمار والتجارة وكذلك قوانين حقوق الإنسان لا تفرض التزامات مباشرة على تلك الشركات لاحترام أو تأكيد احترام أنشطة تلك المنظمات لحقوق الأفراد الأساسية.
- Teacher: Ali Bouhamed